لم يكن هذا الزائر القادم من إسبانيا على متن سيارة خاصة تحمل لوحة بلده إسبانيا يتوقع أن سيارته ستداهمها إحدى حافلات شركة “ألزا” الإسبانية العاملة بطنجة وبعدد من المدن المغربية في إطار اتفاقيات التدبيرالمفوض، حيث أحس وكأنه يتحرك في شوارع إسبانيا، وحينما أراد أن يطبق قانون السير ويتوقف عند ممر للراجلين بشارع المملكة العربية السعودية بطنجة احتراما لحق أسبقية الراجلين، فوجئ بتلك الصدمة، لأن سائق الحافلة لم يكن منتبها أو أنه غير معتاد على التوقف عند هذه النقط. والمشكل هو أن الضيف صاحب السيارة أراد أن يتصرف كإسباني بشكل حضاري، لكنه تلقى جوابا غير حضاري من لدن سائق حافلة تمثل شركة “ألزا”الإسبانية. وما من شك أنه قبل توقفه، كان قد اطمأن إلى وجودها خلفه، وأحس وكأنه يتحرك وسط شوارع إسبانيا، ولم يكن يخطر بباله أنه سيصبح أسيرا لإجراءات تسجيل المخالفة وانتظار وصول رجال الشرطة، ثم البحث عن حل لمعالجة الضرر الذي تعرضت له سيارته، إضافة إلى ما أصابه من هلع جراء الصدمة، وضياع وقته الثمين ومصالحه. وما من شك أنه تعرف على حالة هذه الحافلة التي تغيرت طبيعتها وفقدت هويتها الإسبانية وأصبحت هجينة رغم حملها لنفس الإسم. إنها “ألزا” المغربية التي لها عادات خاصة وطريقة متميزة في التعامل مع قانون السير ومع زبنائها من المرتفقين الذين يعانون الأمرين … فلم يدرك أن “ألزا” المغربية لا تمت بصلة إلى أختها الإسبانية إلا بالإسم وبالعلامة التجارية، أما الجوهر والسلوك والممارسة فهو شيء آخر لا يمت بصلة إلى الأصل. وذلك شيء معلوم لكل من زار مدن إسبانيا واستعمل حافلات “ألزا” هناك، لأنه لا قياس مع الفارق ..
لقد تسببت الحادثة المشار إليها في وقوع اختناق حاد واضطراب في حركة السير بسبب تأخر تدخل شرطة المرور، وهو ما جعل السيارات المتجمعة تبحث عن منفذ لها في كل الاتجاهات بما فيها السير في الاتجاه المعاكس كما هو الأمر بالنسبة للحافلة الثانية في هذه الصورة .. والخلاصة هي أن الخروقات والتجاوزات قد أصبحت من صميم عمل هذه الحافلات ومن طبيعة بعض سائقيها المبرزين.
لقد كانت للمغاربة فيما مضى ألفة وصداقة مع ماركة “ألزا” لكن ليست تلك الخاصة بالحافلات بل بخميرة “ألزا” التي دخلت إلى كل البيوتات، واستقرت في كل البطون، وتحولت إلى متعة ملازمة لأذواق الناس، حيث تطورت إلى استعمالات متعددة، فمنها يصنع الخبز المخمر والحلويات والعجائن ..ولم يسجل يوما أنها تسببت في حوادث من هذا النوع. واستمر وجودها الذي ملأ السمع والبصر ، فلم يتبق بيت أو محل تجاري داخل التراب الوطني لم تقتحمه هذه الماركة قبل دخول ماركات منافسة. كما ظلت “آلزا” الخميرة ومصنعاتها حاضرة في الإشهار المرئي والمكتوب.. واستمرت تلك العلاقة الحميمية بين المغاربة و”آلزا” إلى أن دخلت شركة أخرى هي “آلزا” الإسبانية المستثمرة في مجال النقل الحضري، والتي يتطابق اسمها مع اسم “آلزا” الخميرة. وقد استقبلت بحفاوة في إطار تقليعة التدبير المفوض، أي الخوصصة المقنعة، فاكتسحت عددا من المناطق والجهات حتى أصبحت تحتل التربة الأولى على صعيد الشركات المستثمرة في قطاع النقل الحضري. وقد استقبلت الشركة بترحاب من المسؤولين ظنا منهم أنها ستكون عند حسن الظن وأنها ستنسيهم ويلات التجارب السابقة مع الشركات المتعددة التي أبانت عن فشلها. ولكن النتيجة هي إعادة إنتاج نفس النموذج المتخلف الذي يفتقر إلى الكثير من المقومات، كما لا يمكن أن يصمد أمام الضغط المتزايد على وسائل النقل العمومي، والمؤسف أن هذه الشركة قد تخلت عن القيم والمبادئ والمعاييرالمعتمدة في تعاملها مع الإنسان الأوروبي، ثم أفردت المواطن المغربي بمعاملة خاصة تليق بما تعتبره مواطن العالم الثالث..واللوم يقع على الجهات المسؤولة التي تستقبل هذا النوع من الاستثمار بالأحضان وبالعين المغمضة من أجل أن يمرغ أنوف المواطنين في التراب.
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
06-02-2020
“ألزا” المغربية في مقابل “ألزا” الإسبانية..
