منذ الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة ونحن نستقبل طلعات بعض الوزراء الذين يشنفون أسماع المغاربة بين الفينة والأخرى ببعض التصاريح التي ما زالت تتغذى على قاموس لغة الخشب، حيث إن البعض منهم؛ وبالدرجة الأولى وزير الفلاحة، لم يتراجع قيد أنملة عن مواقفه الغريبة، ولم يعترف بوجود أزمة الغلاء، مثله في ذلك كمن يغطي الشمس بالغربال.. ولم يشذ رئيس الحكومة عن نفس الخطاب، بل كان أكثر إنكارا لكل ما يتم تداوله حول موضوع الغلاء والزيادة في الأسعار، مشددا على “أن المغرب يعرف وفرة في المواد الغذائية، ويسجل استقرارا في أسعار المواد المنتجة محليا، بل وانخفاضا فيها في بعض الأحيان، وهي متعددة ومتنوعة، ومنها السكر والدقيق والخضر والفواكه واللحوم والحليب،.. “. ولم يكن موقفه مستغربا، لأن الطبع يغلب التطبع. لم يؤثر فيه موقعه الجديد، ولم يجعله أكثر واقعية وموضوعية في التعاطي مع هذا الملف الذي يثير حساسية المغاربة، وخصوصا حينما يحسون أن الحكومة الجديدة تقف في الاتجاه المضاد لمصالحهم ومطالبهم في عدد من القضايا..
عند معاودة الحديث عن الغلاء وارتفاع الأسعار؛ نسجل بكل أسف إجماع المتدخلين الحكوميين على إنكار ذلك وتكذيب المغاربة فيما يقولون ويحسون به. ولعل الوزراء محقون في ذلك؛ لأنهم يعيشون بعيدا عن واقع حياة الشعب، ولا يأكلون الخبز الذي يأكله عموم المواطنين.. لقد أنكروا الزيادة في ثمن الزيت والخبز وكل المواد، وأصروا على وجود استقرار ورخاء في الأسعار، وعللوا ذلك بتدخل عصاهم السحرية التي غيرت مجرى الأشياء، وأعادت المياه إلى مجاريها، فانتهى موضوع الغلاء. وقد تم تعليل الزيادات الاستثنائية بوجود عوامل خارجية بالدرجة الأولى كالأسعار في السوق الدولية وتقلب أسعار الطاقة، بالإضافة إلى التقلبات الظرفية التي لها علاقة بتغير المواسم.
ومن أجل الهروب إلى الأمام ومسخ الحقيقة، يتم الحديث عن وضعية التموين وأسعار المواد الغذائية التي ترى الجهات المسؤولة أنها لا تطرح أي مشكل، وأنها مستقرة وفي متناول الجميع، وأن السوق محصنة لا تشكو من الخصاص، ما دام “تموين السوق الداخلي بالمنتوجات الغذائية يلبي كل الاحتياجات”
وكان الموقف الأكثر اتزانا- نسبيا- هو ما أتى على لسان وزيرة الاقتصاد التي كانت أكثر واقعية، كما أنها بشرت ببعض الإجراءات التي من شأنها تصحيح الوضعية، وتحقيق توازن السوق.. من بينها “تعليق الرسوم الجمركية على واردات القمح اللين والقمح الصلب اعتبارا من فاتح نونبرالجاري، والإبقاء على تعليق الرسوم الجمركية على القطنيات والزبدة، ثم بدعم أسعار القمح اللين المستورد لضمان استقرار أسعار الدقيق المصنوع من هذا القمح وبالتالي أسعار الخبز”وكذلك تفعيل دور اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع التموين والأسعار، لمتابعة تطور السوق الوطني بشكل منتظم في ما يتعلق بالأسعار ومستويات التموين”.
لكن الشيء الذي تبالغ فيه الحكومة؛ هو ادعاؤها مراقبة الأسعار والمساهمة في وضع حد للاختلالات.. وذلك شيء لا وجود له، كما تنعدم أسس وآليات تطبيقه، لأن الحكومة فكت ارتباطها بهذا الإجراء منذ تاريخ صدور قانون تحرير الأسعار والمنافسة، فلم تعد السلطات الحكومية تتدخل في هذا المجال إلا من أجل التسويق الإعلامي وتضليل الرأي العام، كما أن التدابير المتخذة لا يكون لها أثر حقيقي على واقع السوق والأسعار التي تظل بعيدا عن قانون العرض والطلب..
تتحدث الحكومة عن إجرائها الأخير المتعلق بتخفيض الرسوم الجمركية عن بعض المواد من أجل الحد من الغلاء، وهو القرار الذي لا ينعكس على أسعار تلك المواد في السوق، والدليل هو ثمن الخبز-المحرر- الذي عرف زيادات في الأثمان رغم تكذيب الوزراء ذلك. طبعا يقول وزير الفلاحة إن الأمر يتعلق بخبز “اللوكس”. فهل كان من الضروري أن يزيد ثمن كل أنواع الدقيق ومشتقاته بتلك النسب المرتفعة؟ وهل سيتم التراجع عن تلك الزيادات بعد تخفيض الرسوم الجمركية؟.. طبعا، لن يكون ذلك أبدا لأن السلطات الحكومية لا تتدخل ولا تسأل الموردين عن الأسعار الحقيقية في السوق الدولية، كما لا تتابع هذه العملية بشفافية ومسؤولية، مما يعمق الهوة بين أسعار كل- المواد المستوردة- في دول المنشأ وأسعارها حينما تعرض للبيع والتداول في السوق الوطنية، حيث يكون الفارق كالبعد بين السماء والأرض. وفي هذه الحالة يكون أولائك المحظوظون من الموردين شركاء في نهب موارد خزينة الدولة وجيوب المواطنين في آن واحد.. والمؤسف أن الإشكال الكبير ينسحب على معظم المواد المستورة، لأن المهنيين لا يتقون الله، كما أنهم أحرار طلقاء بسبب غياب سلطات المراقبة والمحاسبة ..
ففي ظل قانون الغاب، يفعل كل واحد ما يحلو له في مجال التلاعب بحقوق الناس وبالمصلحة العامة، ومع ذلك يظل وزراء الحكومة يتحدثون عن الحياة الوردية للمغاربة الذين هم في نظرها يعيشون قمة السعادة ولا يشكون من الفقر ومن العجز المادي ومن الغلاء والعجز عن الوصول إلى أبسط الحاجيات والضروريات..
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
27-11-2021