المجلس الجماعي بطنجة يرى أن طوق نجاته يكمن في بيع ممتلكات المدينة

لقد استنكرنا هذا القرار وعارضناه في عهدي مجلس فؤاد العمري، ومجلس البشير العبدلاوي، وها نحن نؤكد على نفس الموقف في عهد المجلس الحالي الذي يرأسه الشاب منير ليموري، لأن تشبث المجالس الثلاثة بهذا القرار وإصرارها على تنفيذه لن يخدم مصلحة المدينة في شيء، بل سيفقرها ويتركها عارية تستحق الصدقة. هذا القرار يضع المسؤولين في صف الذين يخربون بيوتهم بأيديهم.. فبدلا من أن يكون التوجه هو تنمية الوعاء العقاري للملك الجماعي، نجد أن المجالس قد أخذت وجهة معاكسة كحل لأزمتها الناتجة عن السياسات الخاطئة التي اعتمدتها خلال ولاياتها السابقة، فضلا عن غياب النوايا الحسنة، ثم تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، مما حكم على مجلس طنجة بأن يظل في تقهقر مستمر وعودة إلى الوراء على متسوى آليات التسيير والتدبير وعلاقته بساكنة المدينة ..
المجلس يرى أن بيع الممتلكات هو أقصر الطرق إلى روما، بهدف التخفيف من ضغط مشنقة الديون التي تلتف حول عنقه.. علما أن المجالس المتعاقبة تتحمل كامل المسؤولية فيما وصل إليه وضع المجلس حاليا- والذي نعتبره معذورا- من عجز مالي وعدم القدرة على فعل أي شيء في غياب الاعتمادات والمداخيل التي تستهلكها الديون وميزانية التسيير.. فهو محكوم بأن يظل يتسول وينتظر الصدقات التي تأتيه في صورة حصته المتدهورة من الضريبة على القيمة المضافة..

الخطأ الأول:

إن المجالس السابقة هي التي وضعت الغل في عنقها، حينما رهنت نفسها ببرامج غير واقعية انطلق مسلسلها عام 2005، وسيستمر مفعولها إلى حدود 2024. فرغم الخصاص المالي، تطوعت لتمويل بعض المشاريع عن طريق الاقتراض والديون التي ستظل تلاحقها على مدى الزمن.. ولم يكن لها الجرأة منذ مجلس(2003-2009) الذي ترأسه دحمان الدرهم لتقول لا أو تعبر عن تحفظها حول ما يملى عليها من المشاريع المكلفة التي نفذت بكيفية عشوائية، فكانت سببا في إهدار المال العام وإثقال كاهل المجلس بالديون. ومن أجل الحصول على حسن السيرة، ظلت المجالس رهن إشارة الولاة الذين استحوذوا على اختصاصاتها، وجعلوا منها جسدا مشلولا، يقتصر دوره على عقد الدورات للمصادقة على ما كانت تريده السلطات الولائية التي تقرر في كل شيء. فهي التي تحدد الميزانيات، وهي الآمر بالصرف، تتصرف بحرية تامة في تدبير صناديق سوداء لا تعرف المجالس المنتخبة عنها شيئا.. والمؤسف هو أن حجم ما أنفق على مشاريع التأهيل الحضري والتنمية المحلية، يفوق حجم الحصيلة، أي ما أنجز من المشاريع التي ظلت في معظمها ناقصة، أو خارج التغطية بسبب ما رافقها من عيوب واختلالات بالجملة جراء غياب الدراسات، وعدم وجود أي محاسبة ومتابعة لملف الصفقات التي ظلت غامضة محاطة بالشبهات، ما دام لا أحد طالب بالحساب، إذ اكتفت المجالس بالتصفيق والتنويه بما يتم تنفيذه باعتباره من الفتوحات الكبيرة التي حققتها المدينة، وذلك رغم تراكم عدد من السلبيات غير المبررة.. فلقد كان الوالي محمد حصاد مطلق اليد والنفوذ، فعمل خلال ولايته المديدة على بلورة عدة مشاريع لم تسلم من لعنة تبذير المال العام. وقد غادر المدينة “نظيف اليد ” دون أن يفتح أي تحقيق حول معظم المشاريع التي لم تكتمل، كما أنها ظلت مثقلة بالاختلالات والعيوب.. ونفس الشيء سيتكرر بشكل أفظع مع الوالي محمد اليعقوبي الذي خاض رهانا أكبر، وطرح شعاره الكبير الفضفاض المتعلق ب “طنجة الكبرى”، فقام بإخراج ترسانة من المشاريع” الخيالية “التي تم فرضها على المجالس المنتخبة لكي تتحمل عبء التكلفة رغم عدم قدرتها على ذلك، ولم يكن لها الجرأة لتقول لا أو تطالب بالحساب وبحقها في الاطلاع وتتبع سير تنزيل تلك المشاريع .. وقد ظل اليعقوبي يصول ويجول ويفعل ما يشاء، دون أن يجرؤ المجلس على الاعتراض على أوامره، حتى حل موعد رحيله خاليا من الذنب معصوما، لتظل كثير من المشاريع معطلة وغير مكتملة، ولم يطالب أحد بالحساب أيضا.. وبعد ذلك ستحل مرحلة الوالي محمد مهيدية التي يبدو أنها لا تختلف عن سابقاتها، حيث استمر على نفس النهج الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. ولعل طريقة تنزيل مشاريع تأهيل المدينة القديمة(2020-2024)، خير دليل على ذلك لأنها لم تسلم من الأعطاب، أما البرهان الأسطع فهو ملف فضائح التعمير التي عمت- وهانت- منذ حلوله بالإقليم. ولو قدر لهذا الولي أن ينسحب من الميدان قبل نهاية 2024، فإن معظم مشاريع مخططه ستظل معلقة، ولن تكتمل مسيرتها، وستطوى الصحف وينتهي كل شيء في غياب الآثار الدالة على الفاعل الحقيقي. ولا بد أن يأتي الوالي اللاحق الذي سيعمل على محو أثر سلفه ليظهر حنة يده، فيقوم بطرح نسخته الجديدة التي ستنسي الناس في الوالي السابق، وتجعل المجالس طيعة خاضعة لسلطته إلى ما لا نهاية. وبسبب ذلك لن تكون هناك محاسبة ولا متابعة لما يتم إنجازه في عهد جل الولاة المتعاقبين، وستظل المدينة في شخص مجلسها” شبه المشلول” هي الخاسر الأكبر الذي لن تقوم له قائمة.

الخطأ الثاني:

يتعلق بضعف الرصيد العقاري للملك الجماعي، لأن مجالس طنجة بعد العهد الدولي لم تكن واضحة في تعاطيها مع هذا الملف الذي ما زال يلفه الغموض من كل الجوانب، فلا يعرف بشكل دقيق سجل ممتلكات المجلس الجماعي بسبب التقصير في حفظ الممتلكات، وكذلك التلاعب في تدبيرها واستغلالها.. ولقد فقد المجلس في الماضي عددا عن العقارات التي كانت محسوبة عليه، فأصبحت بقدرة قادر في حوزة أشخاص وعائلات نافذة.. ولذلك ظل يعاني فيما بعد من صعوبة توفير الأوعية العقارية من أجل تنفيذ مشاريع الاستثمار الخاصة بالمرافق العمومية والبنية التحتية، وستكون وسيلته الوحيدة هي اللجوء إلى مساطر نزع الملكية دون امتلاكه القدرة على تعويض أصحاب الأملاك، مما كان سببا في ارتكابه عدة مظالم في حق المواطنين.

الخطأ: الثالث:

طنجة في طليعة المدن التي كانت تتوفر على أكبر رصيد للوعاء العقاري الخاص بالأراضي المسترجعة وأراضي الجموع، وذلك بحكم طبيعة المنطقة التي عاشت تجربة النظام الدولي، فقد كان الأجانب المقيمون بطنجة، وكذلك اليهود المغاربة يتملكون مساحات لا حدود لها من الأراضي في مختلف المناطق داخل المدينة وخارجها. وكان أغلبها مشكلا من الأراضي الفلاحية الخصبة ومن المواقع الاستراتيجية كالشواطئ والمنتزهات .. وحينما تم ضمها إلى ملك الدولة، أصبحت إدارة الأملاك المخزنية تفعل ما تشاء في هذه الأملاك بسبب التواطؤ وسوء التدبير وغياب المحاسبة.. فماذا كان دور مجالس طنجة خلال هذه الفترة التي استمرت من عام 1973 إلى الآن؟. هل طالبت المجالس بتتبع ملف أراضي الأملاك المخزنية، وكيفية بيعها وتفويتها للخواص على طبق من ذهب؟ وهل طالبت بحقها في تلك الأراضي من أجل تحصين المدينة مستقبلا وضمان استقرارها ؟. هل طالبت بضم أراضي الجموع المجاورة للمدينة لتصبح وعاء استراتيجيا وملكا محميا للمجلس؟. هل طالبت باقتناء أراضي الملك الغابوي للجبل الكبير والسانية وغابة الفرنساوي والمنار قبل تفويتها وبيعها تحت الطاولة لفائدة الخواص بتدخل من السماسرة؟ . ومع الأسف، كان بعض الأعضاء في تلك المجالس هم السباقون إلى طرح أنفسهم والقيام بدور العراب، حيث تحولوا إلى سماسرة لتلك الأراضي في إطار عملية الوزيعة المفتوحة.. وقد وجد بينهم من استغلوا الفرصة، فحازوا على حصتهم من تلك الغنيمة حتى فاض خيرهم وزادت خميرتهم، ففوجئ الرأي العام بفتح تجزئات ومجمعات سكنية داخل غابة الجبل الكبير وفي غابة السانية، وتكون أحياء في مختلف المناطق بالمدينة، كان وراءها مستشارون سابقون وأعضاء بارزون داخل المجالس المنتخبة في الماضي والحاضر ..
فطيلة هذه المدة لم يسجل قيام أحد من أعضاء المجالس بطلب حماية أراضي الدولة وأراضي الجموع، كما لم تقم المجالس بدور الاقتناء القانوني للأراضي التي ستحتاج إليها مستقبلا، علما أن المدينة كانت تكبر وتتوسع أمام أعينها.. ولقد نبهت الرابطة إلى هذا الأمر منذ عام 2003، وطالبت السلطات والمجالس بتحمل دورها في تحرير الملك الغابوي للجبل الكبير الذي كان أغلبه ما زال ملكا مخزنيا، فلم تستجب لذلك الطلب.. كما طالبناها بوضع يدها على أراضي الجموع في المناطق المضافة من أجل توظيفها مستقبلا لفائدة الساكنة، وفي نفس الوقت حمايتها من الترامي الذي يشجع على البناء العشوائي، فلم تحرك ساكنا. لقد تم تنبيه المجلس والولاية أكثر من مرة إلى أهمية القيام بمبادرة من هذا النوع قبل فوات الأوان، لأن المدينة ستكون غدا في حاجة إلى مقابر، وأسواق، ومدارس، وطرق وفضاءات عمومية، ومنتزهات. لقد طالبنا كل الولاة بتحويل غابات دونابو والسلوقية والمنار وكزناية والسانية والشجيرات إلى منتزهات عمومية حماية لها من التملك غير القانوني. لكنهم لم يهتموا بذلك الطلب، مما يؤكد سوء نية هذه الشريحة من المسؤولين.

الخطأ الرابع:

إن المجلس السابق حينما وافق على قرار البيع الذي كان بإملاء من الولاية، قد عمل على رهن بعض العقارات مقابل دين من أجل الوفاء بالتزاماته تجاه برنامج “طنجة الكبرى” الاستنزافي. وأمام عجزه عن رد الدين وتراكم المشاكل المالية من كل جانب، بدأ التفكير في ممارسة الاستثمار في العقار، ومن الخطط الذكية التي تم التفكير فيها، هي أن يقوم المجلس ببيع بعض عقاراته التي قد يجني منها موارد مهمة من أجل الإنفاق على “ورطة” صفقة قطاع النظافة وتسديد مستحقات الشركات المتعاقدة في إطار الاتفاقية، وفي نفس الوقت تخصيص نصيب من تلك المداخيل للقيام بعملية اقتناء أراضي الأملاك المخزنية وأراضي الجموع بأثمان رمزية بهدف إعادة بيعها فيما بعد، وهو ما يعني أن مجلس طنجة مرشح ليتحول إلى “وكالة عقارية” بامتياز، وقد يطمح – كمستثمر- إلى ولوج سوق البورصة.

الخطأ الخامس:

المجلس يشرع في عملية البيع الذي تم بثمن رمزي، فكانت البداية بالعقار الموجود قرب ملعب الغولف ومقبرة المجاهدين، في الوقت الذي تشكو المقبرة من نفاذ عقارها المخصص للدفن لولا إلحاق بعض المساحات الإضافية خلال فترة الجائحة لإنقاذ ماء وجه المجلس الذي كان يعد السكان بالمقبرة النموذجية.. فلو كانت النية صادقة، لتم ضم ذلك العقار إلى المقبرة بدلا من القيام ببيعه ليتحول إلى مجال للبناء لا غير.. علما أن معظم مدافن مقبرة المجاهدين ما زالت ملكا لأصحابها الذين لم تقم المجالس بتعويضهم عن ممتلكاتهم الضائعة التي تحولت إلى مدافن للموتى.. فهل هناك منكر أكبر من هذا ؟
قد تبدو هذه الصفقة مريحة وسليمة من الناحية القانونية، لكن انعكاساتها ستكون خطيرة على مستقبل المدينة.. وبالعودة إلى التفاصيل المرتبطة بمسطرة بيع البقعة الموجودة بمنطقة بوبانة، سنجد أنه سبق أن اجتمعت لجنة خاصة مكونة من الجماعة الحضرية (المجلس السابق) والوكالة الحضرية والسلطة الوصية، فتم الاتفاق على الثمن المرجعي الأول الذي حدد في مبلغ قدره 4000 درهم، وبعد ذلك تم الإعلان عن تاريخ إجراء عملية البيع، فلم تتقدم أية جهة للمشاركة في المزايدة بدعوى أن الثمن الافتتاحي جد مرتفع، مما دفع المجلس لإلغاء العملية مؤقتا. وعقب ذلك اجتمعت اللجنة من أجل إعادة النظر في الثمن المحدد، وخلصت إلي نتيجة تخفيضه إلي 3000 درهم، ثم أعلن من جديد عن عملية المزايدة، إلا أنه لم يتقدم أي أحد لنفس الأسباب، أي أن الثمن المحدد ظل بعيدا جدا عن ثمن السوق، الأمر الذي دفع المجلس للمرة الثانية إلى إلغاء عملية المزايدة وإعادة مراجعة الثمن من جديد، والذي حدد هذه المرة في مبلغ قدره 2000 درهم. وبعد ذلك أعلن من جديد عن عملية المزايدة التي تزامنت مع قدوم مجلس مسير جديد يتبنى ما قرره المجلس السابق، فيما يخص سلك مسطرة بيع الممتلكات، حيث يبدو في الأفق أن المجلس الحالي لن يخرج عن توجه المجلس السابق، فيما يخص بيع البقع الأرضية المتواجدة داخل المدينة التي أصبحت قيمتها المالية كبيرة جدا وتعويضها ببقع أرضية بضواحي طنجة، واستثمار ما تبقى في مشاريع أخرى دون أن يعطي أي تصور للعملية، لأن الذي يروج هو أن غاية المجلس الأساسية من اتخاذ هذا القرار هو بالدرجة الأولى تسديد الديون وليس الاستثمار، مما يشكل انتهاكا لقانون بيع أملاك الجماعات الترابية التي يمنع فيها البيع إلا من أجل استثمار حقيقي للشيء المباع وليس غصبه..

خلاصة:

ذلك هو الوضع الذي يميز مجلس مدينة طنجة – الفقير- المقبل على بيع أملاكه المتبقية من أجل إرضاء الخواطر ثم المراهنة على تعويضها عن طريق الارتماء بين أحضان المضاربة في العقار، متخليا عن الدور الأساسي المنوط به تجاه المدينة والساكنة.. فهناك مهام كثيرة واختصاصات بنيوية تنازل عنها المجلس لفائدة الخواص تحت غطاء شركة التنمية المحلية، فظل عاطلا لا شغل له، ولم يتبق له إلا الخوض في مستنقع الاستثمار العقاري الآسن..
وقبل إغلاق هذا القوس، نطالب المجلس الحالي بتحمل مسؤوليته التاريخية في حماية الملك الجماعي الذي تم التفريط فيه خلال العهود السابقة، ثم العمل على تنميته مع حسن توظيفه لمصلحة الساكنة، وعدم الاستسلام أمام كل الضغوط التي تمارس عليه في هذه الظروف..
إلغاء المقرر المتعلق ببيع ممتلكات الجماعة الحضرية، وكذلك التراجع عن عملية البيع التي طالت البقعة الأرضية القريبة من مقبرة المجاهدين، مع إلحاقها بالوعاء العقاري للمقبرة التي تشكو من تقلص مساحتها.
أن تتحمل وزارة الداخلية المسؤولية في حماية أراضي الجموع المستهدفة بالترامي والتجزيئ السري داخل المدار الحضري للمدينة وكذلك على صعيد عدد من الجماعات داخل النفوذ الترابي لولاية طنجة، مع فتح تحقيق حول كيفية تحول تلك الأراضي إلى أملاك للخواص.
أن تتحمل وزارة الداخلية تبعة الأزمة المالية التي تثقل كاهل مجلس طنجة، وذلك بأن تقوم بتعويضه عن الخسائر التي تكبدها بسبب انصياعه لمطالب الولاة وقبوله الانخراط في برامج مكلفة وغير واقعية، كان لها دور أساسي في هدر المال العام..
وقف مهزلة بيع الأراضي المخزنية إلى الخواص، والتي تحولت إلى ريع مفضوح يحظى به المحظوظون على حساب مصلحة الوطن وعموم المواطنين، وفي هذا الصدد نطالب بوقف عملية بيع وتفويت أي من المساحات المتبقية داخل المناطق الغابوية بطنجة ..

المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
22-12-2021

Related posts

Leave a Comment