المسكوت عنه فيما يخص ملف الطريق الروماني بطنجة !!!

تتأكد يوما بعد يوم معاداة مسؤولي طنجة لكل ما له علاقة بالتراث الثقافي للمدينة، والذي هو في معظمه يعد من التراث العالمي بحكم الدور الذي كان لطنجة عبر التاريخ. إذ ما فتئوا يحاولون لي عنق الحقيقة من خلال البحث عن الذرائع الواهية للافتئات على كل ما له علاقة بهذا الموضوع. فبسبب تلك النزعة العدوانية، تم القضاء على مجموعة من المواقع التاريخية، كما تم التفريط في كثير من المباني الأثرية التي تركت عرضة للإهمال حتى سويت بالتراب..
نفس الموقف يتكرر الآن من خلال تعاملهم مع الطريق الروماني بالجبل الكبير الذي ظل مهملا لعدة عقود حتى فقد الكثير من معالمه، ولم يتبق منه إلا ما تحتفظ به الذاكرة الجماعية العصية عن النسيان. فكل من عرف طنجة عبر التاريخ يعلم بوجود طريق قديم في تلك المنطقة يؤدي إلى قرية آكلا التي كانت تمثل مركزا شبه حضاري، حيث وجدت بها قلعة تاريخية وإقامات سكنية .. ففي الشهور الماضية، أقدم الوالي محمد امهيدية على زيارة القسم المتبقى من ذلك الطريق في حي سيدي المصمودي مرفقا بممثلي بعض الجمعيات القريبة من الإدارة، وكذلك ممثل وزارة الثقافة المعني قبل غيره بحماية التراث بطنجة، وذلك بهدف استفسارهم عن السند التاريخي لهذا الطريق، مع إطلاعهم على المشاريع الواعدة التي يريد تنزيلها بتلك المنطقة العذراء، والتي تتطلب إحداث طريق جديد على أنقاض الطريق الروماني الذي يراد تحويله إلى طريق سياحي. وبكل يسر وطواعية عبر ممثل وزارة الثقافة عن مباركته لهذا المشروع نافيا وجود شيء اسمه الطريق الروماني، في حين التزم ممثلو الجمعيات الحاضرة الصمت الدال على الرضا حتى يكونوا عند حسن الظن .. ومنذ ذلك اليوم بدأ العد العكسي لذلك الطريق، حتى فوجئ الرأي العام مؤخرا بانطلاق الأشغال الخاصة بإنجاز طريق جديد على أنقاض الطريق التاريخي الذي تم التخلص منه بعنف، كما تم تفكيك جزء من بنيته التي لم يعد لها أثر في بعض المقاطع. الأمر الذي أثار حفيظة بعض مكونات الرأي العام التي عبرت عن استنكارها لهذا العمل الذي يتم تحت إشراف الوالي الذي يفترض فيه أن يكون الحريص الأول على حماية التراث الحضاري لهذه المنطقة وعدم التضحية به بهذه الكيفية التي لا يراد منها إلا تبخيس قيمة كل شيء، وتهيئة الرأي العام لفك الارتباط مع كل ما له علاقة بالتراث والتاريخ المميز لهذه المدينة اليتيمة ..
وكرد فعل مضاد على ما نشر بهذا الخصوص، دعت الولاية إلى تشكيل لجنة مختلطة لتعميق البحث ضمت ممثلي بعض الجمعيات من جديد وممثل وزارة الثقافة المسؤول عن حماية التراث بالإقليم من أجل استصدار فتوى لفائدتها تمهيدا لإنجاز مشاريع عقارية ما زالت في طي الكتمان على امتداد الخط الساحلي. والجديد هذه المرة هو أن ذلك التدخل قد تم بصيغة أخرى أكثر حربائية. إذ تحول الموقف من الإنكار الكلي إلى الاعتراف بوجود الطريق الروماني. وتم تبليغ الحاضرين هذه المرة بأن مصلحة المدينة تقتضي مد هذا الطريق الذي سيكون في المستوى المطلوب. كما أنه سيتم الاحتفاظ بآثار الطريق الروماني بجانبه مع إعادة ترميمه. والملفت للنظر هو موقف ممثل وزارة الثقافة الذي ظل متشبثا برأيه متحمسا لأطروحته، مما يطرح التساؤل عن الدور المنوط به وعن وظيفته الحقيقية؟، هل هي حماية التراث أم قتله وتقديمه قربانا على مذبح المشاريع الجهنمية المعدة لإعدام تلك المنطقة؟. والأسوأ من ذلك، هو أن أحد ممثلي الولاية خلال هذه الزيارة ظل يستهزئ بالرأي الذي يعاكس توجه الإدارة. فحين وقوفه على بعض التحفظات بخصوص التأثير السلبي للطريق وأثره على البيئة، وعلى المسار الطبيعي لهجرة الطيور التي تأوي إلى الملاذات الآمنة بغابات الجبل الكبير التي يجب الإبقاء عليها كمحمية طبيعية خالية من البناء، وألا تمس بأي شكل من الأشكال حفاظا على تنوعها الإيكولوجي، جعل يسخر من أصحابها..
والمعروف عن الولاية أنها لن تتراجع عن خطتها التي تعتقد أنها تمثل الصواب والفتح المبين بالنسبة لتلك المنطقة، بغض النظر عن تعارضها مع مقتضيات القانون المنظم للآثار والبيئة..فهي لا ترضى بتاتا الاعتراف بالخطأ أو التراجع عنه، حتى يتحول الخطأ في تقديرها إلى حقيقة ثابتة “ولو طارت معزة”.. ولذلك يحق لنا التساؤل عن مدى قانونية هذا المشروع التركيبي الذي تخرجه الولاية من جعبتها في آخر ولاية المجلس الجماعي الذي لا حول له ولا قوة؟.
إن كل قرار من هذا النوع لا بد أن يكون صادرا عن مؤسسة المجلس الجماعي بعد عرضه على الأعضاء في دورة رسمية من أجل البت فيه والإدلاء بآرائهم التي تمليها عليهم مسؤوليتهم تجاه ناخبيهم. كما أن إنجاز الطرق كما هو معلوم في القانون المنظم للصفقات العمومية يحتاج إلى دراسة ودفاتر تحملات ثم الإعلان عن الصفقة قبل الإنجاز، وأن يكون المشروع متطابقا مع تصميم التهيئة – الغير موجود حاليا- .. كل ذلك يغيب كليا عن هذه الصفقة المحاطة بالشبهات، الأمر الذي يدل على الشطط في استعمال السلطة وتجاهل كل الضوابط القانونية، مما يفرض على المجلس الجماعي الخروج عن صمته والإدلاء برأيه في هذا الموضوع دون الاكتفاء بتزكية كل ما يصدر عن الولاية التي كثرت خطاياها منذ عهد الولاة السابقين الذين خلفوا ركاما من الفضائح التي تمس حرمة الملك العام، ثم رحلوا في مأمن ولم يطل أحدا منهم الحساب والعقاب ..
وسعيا إلى التغطية على هذه الجريمة، خرجت المندوبية الجهوية للثقافة ببلاغ للرد على ما أثير حول هذا الموضوع، محاولة إقناع الرأي العام بما يراد تطبيقه عنوة داخل محمية الجبل الكبير. فبعد الإعلان عن القبول مبدئيا بوجود ذلك الطريق التاريخي- بعد الفضيحة- يتم الإصرار على إحداث مسلك ترابي مواز، مقابل الاحتفاظ بالطريق الروماني وإعادة ترميمه، من خلال الترويج لعدد من الشعارات والتلويح ببعض الوعود التي تفتقد للضمانات والمصداقية، مع اختلاق بعض الأعذار من قبيل حماية السكان وفسح المال للتدخل السريع في حالة وقوع الحرائق. علما أن كل القرائن تؤكد أن الجهات المتحمسة لهذا المشروع العشوائي لا تتوفر على تصور واضح بخصوص هذا الطريق وصورة رسمه ومساره وتصميمه، وكذلك الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب عنه بسبب صعوبة التنفيذ ووعورة التضاريس. فلماذا لم تعمل تلك الجهات على عرض مكونات المشروع على المجلس الجماعي وإطلاع الرأي العام على كل تفاصيله من أجل طمأنته على مستقبل تلك المنطقة الطبيعية المهددة بالتوسع العمراني؟.. ولماذا لم تقم بإنجاز دراسة علمية وتراثية حول طبيعة ذلك الطريق قبل طرح هذا المشروع، وقبل الشروع في عملية التخريب والتدمير ..؟ ثم ألا ترى أن مثل هذا العمل العشوائي سيمسخ معالم تلك المنطقة ويلحق بها ضررا كبيرا وتشوها لن يغتفر أبدا من طرف الأجيال القادمة ؟
لقد كشفت بداية الأشغال عن وجود تناقض كبير في تصريحات المسؤولين. ففي الوقت الذي يدعون الحفاظ على الطريق التاريخي ويتباكون على الموروث الثقافي(المادي واللامادي)، نجد أن الطريق قد استهدف منذ البداية بعنف شديد عند الشروع في إنجاز أشغال عشوائية بكل المقاييس. كما أن توسعة ذلك الطريق بهدف شق مسلك آخر مواز له ستصطدم بصعوبة التنفيذ بسبب ضيق عرض الطريق ووجود كتل من الصخور الضخمة التي تعد الدعامة الأساسية لهضبة الرميلات .. فكل عملية حفر أو تدمير تطال تلك المنطقة ستؤدي إلى حدوث انهيارات وتصدعات لا يمكن التحكم فيها .. وإذا ثم تتبع المسار المراد سلكه، نجد أنه سيصطدم بمساحات غابوية ومنجرفات ومرتفعات وأجراف صخرية وأودية، مما يؤكد أن الطريق المراد إقحامه هناك سيكون على حساب المكونات البيئية والمواقع التاريخية بالمنطقة ..
فإذا كانت هناك رغبة حقا في خلق مسلك للراجلين من أجل الولوج إلى منطقة أكلا والتوجه نحو كاب سبارتيل. فإنه يجب الاقتصار على ترميم الطريق التاريخي نفسه، وعدم السماح بفتحه أمام عربات السير والسيارات، ثم وضع نظام للتشوير لتحديد المسارات والمواقع الأثرية والطبيعية التي تزخر بها المنطقة، مما يفرض تقديم كل الضمانات حول عدم المس بحرمة تلك المنطقة واحترام خصوصياتها الطبيعية مع الإبقاء على مكوناتها وإبعادها عن كل المؤثرات السلبية.. وعليه فإننا نطالب بما يلي:
– وقف أشغال التوسعة الجارية على صعيد ذلك المقطع بسبب خطورتها، مع الاقتصار على إعادة ترميم الطريق التاريخي وإصلاحه وفق المعايير المعمول بها في هذا المجال.
– الاعتماد على يد عاملة متخصصة مع تجنب استعمال آليات التجريف والحفر العشوائي، لأن ذلك يشكل خطرا على التركيبة الجيولوجية للمحمية التي تتميز بجمالية خاصة وبمشاهد بانورامية فريدة..
– عدم فتح طريق جديد يسمح بدخول عربات السير، ثم تجنب كهربة المنطقة لأن كل ذلك سيشجع على دخول مواد البناء، وبالتالي نمو البناء وتزايد السكان في المنطقة..
– عدم نصب الأعمدة الكهربائية على امتداد الطريق لأنها ستخل بالتوازن الإيكولوجي للمحمية التي يجب أن تحافظ على طابعها الأصلي، ونظرا لما سيشكله من تلوث بصري مؤثر على حركة الطيور وكل أنواع الوحش وكذلك الغطاء النباتي ..
– عدم فتح المنطقة أمام التعمير الذي سيدمر المجال البيئي ويقضي على كل المكونات التي تزخر بها المنطقة، كما سيساهم في تغيير طبيعة المناخ الذي يميزها، لأنه سيتسبب في تغيير مجرى الهواء والرياح وخنق الغطاء النباتي وإضعاف المكونات والأحياء الطبيعية.
– التخلي عن فكرة إحداث الطريق الساحلي، الذي سيؤدي إلى تدمير البيئة ويهدد الخط الساحلي بالتشوه والانجراف، مثل ما هو عليه الأمر بالنسبة للطرق المحدثة في المناطق الساحلية كطريق تطوان الجبهة الحسيمة ..
– تحديد كل المواقع الأثرية الموزعة في المنطقة وإعادة ترميمها وتثمينها وإدماجها ضمن مخطط الجولات السياحية ..
– تشكيل فريق خاص بالبحث التاريخي لمواكبة هذه الأشغال وتوجيهها بشكل سليم لتفادي الوقوع في الأخطاء، مع السماح له بإنجاز دراسة أركيولوجية حول ذلك المسار وكذلك المواقع الأثرية واللقى التي يمكن العثور عليها من أجل إغناء المعطيات التاريخية.
– نحذر من كل تغيير يراد إدخاله على تصميم التهيئة لإضفاء المشروعية على الطريق المراد إحداثه وفتح المنطقة أمام التعمير بكيفية ملتوية ..
إننا لا نعارض كل مشروع بناء تتفضل به الجهات المسؤولة عن هذه المدينة شريطة أن يكون شفافا بعيدا عن التحايل والتلاعب بالمصلحة العامة. لكننا نؤكد أنه لا يمكن الثقة بجهات تستبد بالرأي وتتعالى على الرأي العام وتصر على فرض أجنداتها التي أثبتت التجربة عقمها وفشلها وتعارضها مع مصالح المدينة ..
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
16-03-2021

Related posts

Leave a Comment