فعلى إثر تلك النداءات التي أطلقت من أجل إنقاذ معلمة نافورة رياض الإنجليز المقابل لمقر مندوبية الثقافة بطنجة ( المفوضية البريطانية سابقا)، تدخلت الجهات المسؤولة من خلال تعيين إحدى مقاولات آخر الزمن للقيام بعملية الترميم والإصلاح بسبب ما لحقها من أضرار أصبحت تهدد بانهيار سقفها وتهاوي أركانها، وذلك بالنظر لقيمتها الفنية وهندستها المتفردة التي تضفي جمالية على ذلك الفضاء المقابل لساحة المصلى ولمدرسة محمد الخامس، وكذلك للمركز الثقافي الأمريكي وبعض الفيلات التي ما زالت تذكر بفترة طنجة الدولية التي تميزت بجمالية المعمار ..
إن المقاولة التي وقع عليها الاختيار قامت أول الأمر عند تدخلها بوضع دعامات حديدية تحت سقف النافورة مع إحاطتها بسياج يحمل علامة “خطر” من أجل منع الأشخاص من الاقتراب منها، وذلك في انتظار الشروع في عملية الترميم- وليس الهدم- وفق المواصفات المعمول بها في هذا المجال .. ومع مرور الوقت اتضح أن تلك المقاولة( الشبح) لم تتقدم شبرا واحدا في الأشغال، مما يدل على أن الجهات المعنية لم تكن جادة في عملها، مما زاد من تدهور هيكل النافورة وتساقط جنباتها، ليستمر ذلك المشهد المؤلم أزيد من سنة ونصف حتى نفاجأ أخيرا بجريمة أخرى تقترف من طرف تلك المقاولة التي اقتلعت سقف المبنى ثم اختفت عن الأنظار، بحيث لم يتبق من أثرها إلى تلك الحواجز المحيطة بالموقع وعلامتها الحمراء الدالة على الخطر ..
ترى، من الجهة الأولى بالمحاسبة في مثل هذه الحالة الغريبة في التعامل مع التراث؟.. وهل يعقل أن يمتلك المسؤولون كل هذه الجرأة في الضحك على الأذقان والتضحية بمعالم المدينة ومقوماتها الثقافية .. فحينما تمت المطالبة بإنقاذ هذه المعلمة، تم تذكير المسؤولين بأهميتها التراثية وقيمتها الفنية وخصائصها المتفردة في الإقليم، إذ تعد النافورة الوحيدة من هذا الصنف..
المسؤولية تتحملها بالدرجة الأولى الوزارة الوصية على التراث، بسبب موقفها السلبي رغم علمها بكل التفاصيل الخاصة بهذا الموقع المحاذي لمبنى مندوبيتها.. فلماذا تقف موقف المتفرج، دون أن تكون لها الإرادة والعزيمة الفعلية للتدخل في الوقت المناسب وإلزام باقي الأطراف المعنية لتحمل المسؤولية ..
المسؤولية يتحملها المجلس الجماعي الحاضر الغائب، والذي يعتبر نفسه غير معني بهذا الأمر،..
المسؤولية تتحملها الولاية التي أقحمت نفسها في كل الواجهات، فأصبحت هي التي تتصرف على هواها في قضايا الآثار والتراث بالمدينة دون حسيب ولا رقيب، ودون أن تتوفر لديها المؤهلات ولا الكفاءة لإدارة هذا الملف بكل تعقيداته وتحملاته.. وإلا بماذا يمكنها تفسير هذا السلوك المختل، وهذا الهجوم على التراث؟
فكيف تم اختيار المقاولة التي تكلفت بهذا المشروع؟، وهل تمت العملية وفق المساطر القانونية التي تفرض التقيد بالالتزامات والمعايير المنصوص عليها في دفتر التحملات ؟. وهل خضعت هذه العملية لمباراة شفافة من أجل اختيار المقاولة المؤهلة لإنجاز هذه المهمة؟ . وهل كانت هناك لجنة فنية مختصة لمتابعة الأشغال خلال كل المراحل؟
إن الحصيلة النهائية لهذا التدخل العشوائي تبين أنه لا شيء من ذلك قد أخذ بعين الاعتبار، وأن المسؤولين يتصرفون بجهالة في مثل هذه القضايا التي تتطلب الحيطة والجدية والكفاءة في العمل والغيرة على المصلحة العامة.
إن طريقة تعامل المسؤولين مع التراث بطنجة تكشف عن وجود خلل كبير في السلوك والممارسة والتفكير. ولذلك يشاهد تكرار هذه المآسي من مكان إلى آخر. ويكفي ما يشاهد الآن من نقط سوداء على صعيد الأشغال الجارية داخل فضاءات المدينة، حيث إن كفة السلبيات ترجح كفة الإيجابيات، رغم التكلفة الغالية لهذه المشاريع الهلامية التي يتم تنزيلها على أرض الواقع ..
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
16-04-2021
تقرير سابق للرابطة حول نفس الموضوع: