جريمة اغتصاب غابة وشاطئ الغندوري بطنجة …

في سنة 2004 تم تفويت عقار تابع للأملاك المخزنية بمنطقة الغندوري بطنجة لفائدة مؤسسة عمومية بهدف إنجاز مشروع استثماري له طابع سياحي في موقع استراتيجي كان عبارة عن منطقة غابوية متصلة بالبحر، وقد نص عقد التفويت الذي شمل عشرات الهكتارات، على مراعاة طبيعة المنطقة التي كانت تضم مواقع تاريخية منذ العهد الروماني، إلى جانب آثار تتعلق بالفترة الإسلامية ثم العصر الحديث .. وكذلك عدم التأثير على البيئة فيما يخص الجانب المتعلق بالغابة التي يجب الحفاظ عليها وكذلك الواجهة الساحلية التي لا يجب مسها أو تغطيتها بالبناء.. وقد اتضح منذ البداية أن تلك المؤسسة قد ضربت دفتر الشروط عرض الحائط واعتبرت أن كل العقار ملك لها، فقامت بتجزيئ كل المساحة المشمولة بعقد التفويت ولم تبق على أي جانب يكون من نصيب الفضاء العمومي، وقد بلغ بها الجشع حدودا لا يمكن تصورها حينما عملت على اجتثاث الغطاء الغابوي بالكامل، كما عملت على هدم كل المواقع الأثرية التي ميزت تلك المنطقة لعدة قرون، وكانت مشكلة من موقع عسكري روماني، وحي سكني قديم، وبرج تاريخي، وأفران لصنع الفخار، ومستشفى العزل الصحي الذي عرف باسم “عازريطو”، ثم مراكز عسكرية للجيش الإسباني، وكذلك نادي الغندوري للرماية .. فكل ذلك تم القضاء عليه نهائيا، كما تم الاعتداء على الواجهة البحرية من خلال إقامة المباني الملاصقة للموج. ونظرا لغياب الدراسات الدقيقة، ثم التسرع في تنزيل هذا المشروع بشكل انفرادي في غياب المسؤولين الذين التزموا الحياد السلبي والانحياز المكشوف تجاه هذه الجهة التي تصرفت في مجمل العقار كشيك على بياض.. وقد برزت منذ البداية تداعيات الاعتداء على منطقة غابوية غير صالحة للبناء بسبب هشاشة بنية طبقاتها الأرضية. فما أن تم الشروع في تجزيئ العقار ومد الشبكة الطرقية وشبكات الصرف الصحي والماء والكهرباء تمهيدا لعملية تسويق العقار، حتى انكشفت العيوب وبدأت الأرض تتحرك بسبب قوة الانجراف، مما يؤكد أن المنطقة ظلت محفوظة وقائمة بفضل الغطاء الغابوي الذي تم غرسه بسواعد تلاميذ مدينة طنجة في بداية الاستقلال.. وقد أدى ذلك الانهيار إلى لجوء الجهة المستثمرة إلى استعمال الإسمنت المسلح ونصب الدعامات القوية في كل الاتجاهات لحماية المباني من التشققات.. كما تم التخلي عن الجزء السفلي من التجزئة المحاذي للبحر، بعدما تبين استحالة تنفيذ المشروع في تلك الأراضي غير الصالحة للبناء.. والمؤسف هو أن هذه المؤسسة لم يكن يهمها منذ البداية إلا مراكمة الأرباح مضحية بكل هذه المؤهلات التي حرمت منها المدينة، فكان العنصر الغالب على مكونات هذا المشروع هو تشييد الإقامات والمباني السكنية، وهو نفس المخطط الذي كانت ترمي إلى تنفيذه على صعيد منطقة فيلا هاريس قبل أن يتم تحريرها من قبضتها وتحويلها إلى فضاء عمومي. وقد تعمدت إهمال معلمة فيلا هاريس من أجل أن تنهار، لأنها كانت ترمي بكل قوة إلى إنجاز مشروع مماثل يأتي على كل الفضاءات الطبيعية التابعة لذلك الموقع التاريخي، كما أنها ما زالت الآن تتربص بالأراضي التابعة لبحيرة مالباطا التي سبق نزعها- ظلما- من ملاكيها من أجل المنفعة العامة سنة 2008 بهدف التحضير لاستضافة المهرجان الدولي 2012 ..
هذا ويعود الفضل في إثارتنا للموضوع من جديد إلى رسالة مؤثرة توصلنا بها من لدن أحد المواطنين الغيورين، فهو يشير من خلالها إلى الإهمال الذي يطال المنتزه الذي تم إحداثه في مقدمة تلك التجزئة بمنطقة الغندوري، والذي حافظ على وجوده فقط بعد تعذر البناء في جانبه السفلي. وهو ما يعني أن الجهة المستثمرة لم تكن تفكر أصلا في مثل هذا المرفق العمومي، فهي قد خططت لإعداد منطقة مغلقة مغطاة بالإسمنت من كل الجهات.. وهذا نص الرسالة التي نتوجه بالشكر إلى صاحبها لأنها تذكر بموضوع يستحق الاهتمام والعتاب بسبب تقصير الجهات المسؤولة في التدخل من أجل خلق التوازن البيئي والعمراني خلال عملية إنجاز هذا المشروع والحيلولة دون تغوله والاعتداء على الملك العمومي. وللعلم فإن الرابطة لم تقصر في طرح هذا الملف منذ الشروع في إنجاز هذا المشروع الذي يجسد قمة التشوه العمراني بطنجة.

“نص الرسالة”

“بعد استيلاء النافذين على غابة الغندوري التي غرست بأنامل تلاميذ الثمانينات وإعدامها وتحويلها إلى مشاريع شخصية، نمت مكان أشجار الصنوبر عمارات وإقامات فندقية ومقاهي راقية.
ما من شك أن من تبقى من تلاميذ ذلك الزمان، يتذكرون بحسرة خرجاتهم المدرسية إلى الطبيعة ومطاردتهم للفراشات والعصافير وهم اليوم كهول أو في طريق الشيخوخة لا يصدقون أن ما تبقى من ذلك الفضاء الأخضر الشاسع هو هذه الساحة الدائرية الصغيرة التي شعاعها عدة أمتار فقط، ومع ذلك لم تتم حمايتها، فهي بدورها تتعرض للنهب المستمر والسرقة، فقد تم تقطيع حواجز الحديد المقاوم للصدأ (الإينوكس)، واقتلعت المصابيح المغروسة بالحائط وانتزعت لوحات المرمر التي تغطيه، ونفس الشيء سيحدث للأرضيات التي ستختفي قطعة بعد قطعة .
وعلى صغره، فمن الناحية الجمالية فإن المكان ساحر وأصبح مؤخرا مقصدا للسياح للتملي بنظرة بانورامية لطنجة من جهة الشرق، ومكانا معتادا لعشاق الغروب، ومع ذلك فهو مهمل بشكلٍ كبير، إذ نبتت الأعشاب بأرضيته، كما أن الحاجز الوقائي الذي اختفى جزء كبير منه بفعل الاعتداءات الخاصة بالنهب والسرقة أصبح مصيدة خطيرة، وقد تكون سببا لسقوط أكثر من شخص في اليوم، كما يمكن أن يتسبب العلو المرتفع الذي يفوق المترين في عاهة مستديمة أو الوفاة بالنسبة للضحايا .
إن ما تبقى من ذلك المكان يندثر يومًا بعد يوم، فالأرض الموجودة على يسار الموقع تم تسييجها لتتحول بدورها إلى بنايات، ومن غير المستبعد أن ينبت يوما ما بناء يغطي البحر ويحرم المواطنين من التمتع بغروب الشمس بهذا المكان المميز، فباسم الاستثمار تم الإجهاز على كامل الربوة، وبالكاد تم ترك مكان للطرقات، ورغم أن الأرض مهددة بالانجراف، تم بذل جهد خرافي لتثبيتها وبنائها في حين لم تجد الغاية مدافعين للترافع عنها، وحتى هذه الساحة الميكروسكوبية لم تجد مهندسًا لتصميمها بكيفية تحول دون تخريبها في وقت قياسي، ولا حارسا أو كاميرا مراقبة لحمايتها ولا عمال تنظيف يغسلون مخلفات المعربدين والسكارى الذين يشكلون آخر زوارها.
شتلات الخرجات المدرسية ماتت في غفلة من غارسيها، المحجز الصحي الأول في المغرب (عزريطو) بعد تحوله إلى سجن اختفى ومسح من الوجود وترك المنارة التاريخية البئيسة سجينة بين الجدران، إذ تكاد لا تظهر من أية جهة، وغير بعيد عنها تحولت منطقة خضراء إلى مقهى فاخر وبجانبها تم حشر بناية فندقية بين الطريق والبحر.
الزائر لهذا المكان سيخرج بتصور واضح بأنه ليست هناك نسبة مئوية عادلة لتوزيع المساحة بين ما يسمح ببنائه، وما يجب تركه للمناطق الخضراء والفضاءات العمومية، وإن مصير ما تبقى من العقارات سيتحول حتما إلى غابة إسمنتية. الدور آت على الغابة المتبقية بعد أن وضعت لوحات عملاقة بجانب أشجار الكاليبتوس تعلن تصميم تجزئة فيلات فاخرة،
فأمام هذا الصمت الرهيب، اختفى الجزء الأكبر من الغابة، وخرب هذا المكان، وإذا استمر الصمت سيختفي منظر البحر وربما سيختفي منظر غروب الشمس”.
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
03-11-2021

Related posts

Leave a Comment