سياسة الوهم السياحي بطنجة

كانت طنجة فعلا مدينة السياحة بامتياز قبل نهاية سنوات السبعينيات، لكنها بعد هذا التاريخ دخلت في مرحلة العد العكسي، ولم يتبق إلا ذلك الحنين إلى الماضي الذي بدأ يتهاوي مع التدهور الذي لحق القطاع على كافة المستويات، بدءا من الوحدات الفندقية التي أقبرت، وكذلك المحلات التجارية والمطاعم والنزل والمقاهي والحانات التي كانت لها علاقة بالنشاط السياحي، ولم يتحرك المسؤولون إلا بعد أن أصبح القطاع على حافة الاحتضار، فبدأ البحث عن الصيغ التجريبية للخروج من عنق الزجاجة، لكن في غياب استراتيجية واضحة، وهو ما جعل كل البرامج تبوء بالفشل الذريع. ولعل مشروع تهيئة خليج طنجة خير دليل على ذلك. لأن الذي كان يفكر في الطابع السياحي لهذه المدينة قد قام من جهة أخرى بإغراقها وسط أتون التوجه الصناعي غير المتكافئ، وهو التوجه الذي شكل كارثة للمدينة بسبب طابعه العشوائي، كما ساهم في مسخ وجه المدينة وتغيير معالمها رأسا على عقب، بل كان سببا رئيسيا للكوارث البيئية التي ستعاني منها المدينة وبالدرجة الأولى الشاطئ البلدي الذي يتغذى بإفرازات المنطقتين الصناعيتين..
وبعد سنوات من الركود واجترار الآمال والأحلام التي تفتقد إلى اليقين والإرادة، كما تغيب عنها قراءة الواقع واستشراف المستقبل، تفتقت عبقرية المنظرين لسياسة القطاع السياحي عن طرح مشروع تحويل ميناء المسافرين بطنجة إلى المركب المينائي طنجة المتوسط من أجل تهيئة الأرضية لإحداث الميناء السياحي الترفيهي الذي يراهن على خلق طفرة سياحية على صعيد الجهة. وهو المشروع الذي يصنف كثاني قطب اقتصادي على صعيد الجهة بعد الميناء المتوسطي، وسيكون طابعه المستقبلي حسب قراءة الخبراء المنجمين – واضعي المشروع – قاطرة للتنمية، والإقلاع السياحي والاقتصادي وتحقيق التنمية، لأنه سيشكل نقطة جذب للسياح القادمين من مناطق الرفاه الاقتصادي وما يحمله ذلك من دلالات، وفي مقدمتها جلب العملة الصعبة ومراكمة الثروة وتسويق المنتوج السياحي والتعريف بالثقافة والحضارة المغربية ..وفي هذا السياق يتم الاشتغال على ساق من الجد من أجل الوصول إلى تلك المحطة النهائية التي ستتوج تلك المسيرة الشاقة التي انطلقت متعثرة منذ عدة سنوات ..
لكن الملاحظ هو أن هذا المشروع ينقض نفسه بنفسه، لأن القائمين عليه من قريب أو بعيد لا يدركون أن عددا من الإجراءات المتخذة لا تخدم نهائيا رهانات هذا المشروع الواعد.. ويمكن البدء من النقط التالية في انتظار تناول هذا الموضوع من كل جوانبه في حلقات:
* إبعاد بواخر نقل المسافرين عن الميناء والدفع بهم نحو الميناء المتوسطي، علما أن أغلبهم يدخلون في عداد السياح الذين يأتون بخيرهم ..
*غلاء أثمان تذاكر العبور المعتمدة من طرف شركات الملاحة البحرية التي يطغى عليها هاجس الربح بسبب غياب المراقبة، الأمر الذي يشكل أحد العوائق التي تقف في طريق توافد السياح إلى طنجة وإلى المغرب، بدءا من الجالية المغربية المقيمة بالمهجر، والتي بدأت تتهرب من استعمال الخطوط التي تربط الضفة الأخرى بميناء طنجة وكذلك بالميناء المتوسطي، لأنهم يواجهون بأغلى تسعيرة في العالم وأسوأ الخدمات والمعاملات، وهو الأمر الذي طالما نبهنا إلى تداعياته، ودعونا الوزارة الوصية للتدخل من أجل مراجعة التعريفات المعتمدة وتحقيق التوازن في علاقة الشركات بزبنائها .. وقد كان لهذا العامل دور في تحريك المجلس الجهوي للسياحة بطنجة الذي عبر بدوره عن احتجاجه واستنكاره لتلك الزيادات، وحذر من خطر هذه الظاهرة الهدامة داعيا إلى مراعاة الجانب الإيجابي في تخفيض التسعيرة بشكل متوازن ومعقول من أجل تشجيع السياح على التوافد إلى المغرب وتحسين صورة العرض السياحي ..
* تفكيك الأسطول المغربي التابع سابقا للقطاع شبه العمومي الذي تعرض لمجزرة كبيرة دون حسيب ولا رقيب من أجل فسح المجال للقطاع الخاص الأجنبي المدلل الذي يفرض شروطه ويكرس سياسة الأمر الواقع بسبب ضعف الجهة الوصية على القطاع، أو نتيجة التواطؤات غير المفهومة في غياب آليات المنافسة الحقيقية ..
* والأخطر من ذلك حسب موقع طنجة 24 ، هو القرار الذي اتخذته بعض وكالات الأسفار في نهاية السنة الماضية، بعد أن اختارت تغيير وجهات رحلاتها صوب مدينة سبتة، ما سيكبد القطاع السياحي بمدينة البوغاز، خسائر جسيمة ستعمق لا محالة من أزمتها الخانقة. وما يعنيه ذلك من ضياع فرصة الاستفادة من عائدات وفود أفواج مهمة من السياح الأجانب،. علما ان تلك الوكالات تستقطب حوالي 230 فوج سياحي في السنة، يضم كل واحد منها حوالي 40 سائحا “..فهل بمثل هذه السياسة العمياء يمكن إضاءة الطريق أمام خدمة العرض السياحي وتحقيق النهوض بالقطاع الذي يتدهور يوما بعد يوم ؟
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
02-02-2020

Related posts

Leave a Comment