فندق الشجرة بطنجة وسيناريوهات التأهيل المرتقب !!!

تأهيل فندق الشجرة من منظورالوكالة الحضرية:

في سنة 2003 قامت الوكالة لحضرية بطنجة بطرح مشروع خاص بإعادة تأهيل فندق الشجرة الموجود في أسفل موقع فندق المنزه، والذي كان ملكا للإنجليزي “وولد ” حيث ما زالت الأدراج التي تربط الفندق بشارع الحرية تعرف ب(دروج وولود). وكان قد بناه على نمط الفنادق التقليدية في المدن العتيقة، والتي كانت مخصصة لإيواء الدواب خارج المدينة. وهو مكون من جناحين يخضعان لنفس التصميم، أحدهما كبير الحجم والآخر أصغر منه. وما زال الأول يتوفر على أرضية واسعة كانت مخصصة لإيواء الدواب في الطابق الأرضي، وهي مستغلة الآن من طرف التجار الذين حولوها إلى سوق لبيع المواد المهربة. أما الطابق العلوي المكون من عدة غرف، فقد كان مخصصا لإيواء السواقة وأصحاب الدواب الذين يفضلون المبيت. وقد تحول في السنوات الأخير إلى ورشات لصناعة النسيج والحرف التقليدية.
أما الجزء الداخلي الذي يتمتع بنفس المواصفات المعمارية، فقد تحول إلى مأوى لإقامة العائلات الفقيرة وفئات المشردين والغرباء. وفي مدخل السوق الخارجي توجد ساحة كبرى سرعان ما تحولت إلى سوق عشوائي لبيع الخصر والفواكه وكل أنواع الخردة.
وقد تضمن مشروع الوكالة الحضرية آنذاك ترحيل كل أنواع التجارة المتمركزة داخل السوق وخارجه، وكذلك إفراغ المحلات المستغلة من طرف السكان العشوائيين، وذلك بهدف إعادة الترميم وإصلاح المباني وتأهيل كل الفضاءات المرتبطة بالسوق من أجل تحويله إلى فضاء للأنشطة الثقافية والفنية، وتوفير محلات لاستيعاب أنشطة الجمعيات، وخلق فضاء خاص بالمنتجات الصناعية التقليدية. أما الجزء الداخلي فسيتم الاحتفاظ به كمقر لصناعة الدرازة بعد ترميمه على الطريقة المغربية .
كما سيخصص الجناح الداخلي لإحداث مدرسة خاصة بتعلم الحرف المرتبطة بالبناء التقليدي( كالزليج ..) والتي أصبحت في طريق الانقراض، وذلك من أجل تلقين تقنيات هذه المهن للتلاميذ الذين سيتم إشراكهم في عمليات ترميم البنايات التاريخية بدلا من جلب الصناع من مناطق أخرى. وبذلك سيساهم فضاء فندق الشجرة في خلق أنوية ثقافية على مقربة من محيط المدينة العتيقة ضمن التصورالذي يتم إعداده من أجل تأهيل طنجة القديمة. وتتميز معلمة فندق الشجرة بقربها من سور المدينة ومن بناية مدرسة الفونسو 13 التي يعود تاريخ تأسيسها إلى سنة 1913.

محطات من تاريخ فندق الشجرة:

تتميز هذه المعلمة التاريخية بوجود أنفاق ضخمة تحت أرضية الفندق تصل إلى الميناء تم إغلاقها مؤخرا، مما يدل على أن الأمر كان يتجاوز حدود فندق تقليدي خاص بإيواء الدواب، هذا فضلا عن وجود طابق تحت أرضي وعدد من الغرف والمحلات الكبيرة في الجناح المطل على الطريق الرئيسي، وهي مستعملة من طرف إدارة التعاون الوطني في تعليم الحرف اليدوية والصناعات التقليدية للفتيات. وكان السوق قبل سنوات الثمانينيات يأوي عددا من الحرف اليدوية الخاصة بصناعة البرادع، ولحام النحاس والقصدير، والحدادة الخاصة بصنع حدوات البهائم ( الصفائح ). وكان أغلب الحرفيين من اليهود، ثم خلفتهم في هذه المهن مجموعة من الحرفيين المغاربة الذين ظلوا يزاولون تلك المهن، إلى جانب صناعة المفاتيح، الأفرشة، المضربات، أدوات الفلاحة، الأوعية الخاصة بالسقي وعلف الماشية وتربية الدواجن …) ثم انتقلت تلك المحلات التجارية بالتوارث إلى الأبناء الذين طوروا الحرف. فتم الشروع في بيع الخضر والفواكه في المكان الذي كان مخصصا لإيواء الدواب، حيث تكونت مجموعة من الأكواخ القصديرية التي ظلت تتنامى وتتسع ليتم تحويلها في آخر الأمر إلى مباني خفيفة من أجل حفظ الممتلكات والبضائع، وخصوصا لما تزايد عدد نزلاء السوق الذين يقدر عددهم بأزيد من 150 تاجرا، حيث سيتحمل التجار تكلفة الإصلاحات التي كانت تؤدى لملاك الفندق دون الحصول على وصل يثبت ذلك. هذا وقد شهد السوق على مستوى النشاط التجاري تحولا جذريا في سنة 2000 حينما تم الانتقال إلى بيع المواد التجارية المختلفة، وخصوصا المواد الغذائية المختلطة التي تشمل بعض المواد المستوردة بما فيها المواد المهربة.

معاناة التجار ونزلاء سوق فندق الشجرة :

وحول هذا الملف الشائك تم إجراء مقابلة مع بعض التجار الذين يتوفرون على جمعية أسست في سنة 2001 ، وهي تضم حوالي 150 عضوا، بالإضافة إلى شريحة الصناع من المزاولين لمهنة الدرازة. وقد اتضح أن المشكل قائم مع صاحب السجل التجاري للفندق وليس مع الشركة المالكة للعقار، حيث يسجل عدم وجود إحصاء دقيق للتجار الحقيقيين، وذلك منذ وفاة صاحب السجل التجاري، بالإضافة إلى صعوبة تواصل النزلاء مع الورثة المتعددين، بسبب تنازعهم مع الشركة صاحبة الملكية. وما زال الملف معروضا على القضاء من أجل الحسم.
وفي ظل هذه الوضعية استمر المبنى في التدهور المستمر، مما جعل النزلاء والتجار يعانون من شتى أنواع المشاكل التي يصعب التحكم فيها بسبب تدخل عدة عوامل. ومن أخطر المشاكل التي تهدد السوق في كل مرة، وجود خطر الشبكة الكهربائية المتهالكة والمنجزة بكيفية عشوائية، حيث يتم الوقوف على شبكة عنكبوتية ممتدة في كل الاتجاهات دون وجود أي ضابط يسمح بالتدخل عند وقوع العطب، ثم المشكل المتعلق بهشاشة شبكة التطهيرالقادمة من جهة فندق المنزه، حيث تتعرض البالوعات الضخمة للاختناق بسبب عدم خضوعها للتطهيرالدائم من النفايات، مما كان سببا في تعرض السوق للفيضانات باستمرار. وقد عرضت الجمعية المشكل على شركة آمانديس من أجل معالجة المشكل من الأساس وإعادة تأهيل الشبكة، وهو أمر غير ممكن بالنسبة لهذه الأخيرة، وكذلك البلدية نظرا للطابع الخصوصي لهذا السوق، ولذلك ظل هذا الملف معلقا. ويشار إلى أنه تم عقد عدة لقاءات مع المجلس الجماعي تم خلالها استعراض المشاكل الموجودة. فتم الاتصال بشركة خاصة من أجل تحديد تكلفة الإصلاح. لكن المشروع قد توقف بسب غلاء التكلفة التي حددت في 30 مليون سنتيم لإصلاح الشبكة الكهربائية فقط. ومن أجل تجاوز هذه العقبة طالب التجار بإدراج المشروع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مع تحمل التجار لنسبة 50% من قيمة تكلفة المشروع، لكن هذه المبادرة ظلت معطلة رغم مرور عدة سنوات. ومما ساهم في تعقيد المشكل، هو وجود جناح داخلي للسكن العشوائي مستغل من طرف عدد من الأسر والأشخاص الذين لا يمكن ضبطهم على مستوى الممارسة والسلوك اليومي .. وما فتئت بنيات الفندق وفضاءاته تشهد التدهور المستمر بسبب الإهمال وغياب الصيانة. كما أن هذا الجناح قد تهاوت أركانه وأصبح مهددا بالسقوط ، وهو ما يمكن أن يتسبب في أكبر كارثة إنسانية ..

إخفاق طنجة الكبرى في إنقاذ معلمة فندق الشجرة :

وفي إطار مخطط طنجة الكبرى، عقدت لقاءات مع المسؤولين عبر وسيط الغرفة التجارية، طرحت خلالها مقترحات إعادة هيكلة السوق على كل المستويات. وقد مر على ذلك أكثر من سنة، دون أن يكون له أثر على أرض الواقع .. وما زال هذا الملف يصطدم بتعدد التصورات وتنوع المتدخلين وتباين الرؤى فيما يخص كيفية تأهيل منطقة فندق الشجرة والمدينة القديمة بشكل عام .

النقط السوداء المتعلقة بالجانب الأمني:

أما المشكل العويص، فهو غياب الأمن داخل هذه المنطقة الحساسة بكل المقاييس، بالنظر للإقبال الكثيف الذي يشهده السوق، وتوافد الغرباء ومجهولي الهوية من أجل الإقامة داخل السوق ليلا، مما يجعله غير آمن كليا من الاعتداءات الخاصة بالسرقة واقتحام المحلات الخصوصية وارتكاب كل أنواع الانحرافات والموبقات من تعاطي المخدرات والبغاء واستغلال القاصرين …وقد سبق لجمعية السوق أن تقدمت بشكايات متعددة إلى المسؤولين. كما عقدت لقاءات مع السلطات الأمنية بجميع مسوياتها، تم خلالها تسليط الضوء على الصورة القاتمة التي يمر بها السوق ( الذي يكثر به تناول الممنوعات بعد إغلاق المحلات التجارية، حيث يتم احتلال كل الفضاءات من طرف المنحرفين الذين يوجد من بينهم قاصرون وقاصرات حوامل يمارس عليهم كل أنواع الاستغلال الجنسي، مما جعل التجار عاجزين عن التحكم في وضعية السوق بسبب وجود تواطؤ بين الأطراف المتدخلة، حيث يتم اعتقال عناصر متلبسة، لكن المحاضر تصبح شبه فارغة من أي اتهام، مع هزالة الأحكام الصادرة التي لا تعادل حجم الجرائم، علما أن الأمر يتعلق بذوي السوابق العدلية .. ويذكر التجار أن الوضعية لا تحتمل، حيث يسجل وقوع بعض الممارسات الخطيرة وفظائع أخلاقية في واضحة النهار وفي رمضان دون أن يحرك المسؤولون ساكنا. ويعد الرياض المجاور لسوق السمك وكذلك فضاء فندق الشجرة الخاص بالمتلاشيات مصدر الضرر الأكبر لكونهما يشكلان وكرا لإيواء المنحرفين واللصوص. بالإضافة إلى وجود جناح خاص ببيع الدجاج خلف السوق. وقد تحول بدوره إلى ملجأ لتجمع المنحرفين والمشردين الذين يقيمون داخل المحلات التجارية المهجورة.. ويذكر أن هؤلاء يدخلون السوق رفقة القطط والكلاب مدججين بالسيوف، مما يتسبب في تعرض المواطنين للاعتداءات بالضرب والجرح والسرقة .. . ويشير التجار إلى أنه قد تم إنجاز 16 محضرا بخصوص هذا الملف لدى أجهزة الأمن ولكن دون جدوى.
وما زال تجار السوق يطالبون بتوفير محاور مسؤول يمكنهم من معالجة المشاكل التي يتخبطون فيها من غياب للنظافة والأمن وشبكة الصرف الحي، والإنارة والسلامة من الأخطار، مما جعل السوق يتحول إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في كل وقت بسبب ضخامة المشاكل المطروحة والتي يقف المسؤولون منها موقف المتفرج إلى ما لا نهاية ..

إنتظارات تنهار أمام سراب المواعد العرقوبية:

لقد مرت قرابة ست سنوات على إعداد هذا التقرير من طرف الرابطة عن سوق فندق الشجرة بطنجة، وهو يشخص الوضع الذي كان عليه خلال تلك الفترة، وكذلك الانتظارات المطروحة حيال برنامج طنجة الكبرى. فهل تغير المشهد الآن بعد طي ملف طنجة الكبرى، وهل عرف السوق بعض التحسن، وهل اتضحت معالم التغيير والإصلاح أم أن الوضع قد ازداد سوء وسوداوية؟ فذلك ما يطلب أن يجيب عنه المسؤولون في أفق تنزيل برنامج إعادة تأهيل المدينة الذي يعد بتوظيف غلاف مالي كبير يقدر ب 850 مليون درهم.
فهل ستدخل بناية سوق فندق الشجرة ضمن هذا المخطط؟ ذلك ما ستجيب عنه الأيام التي لا نتمنى أن تتحول إلى مجرد مواعد عرقوبية .. ؟

وفي سياق تواصلنا مؤخرا مع نزلاء السوق من أجل تحيين المعطيات، تبين أن السوق قد عرف شيئا من الانتظام بفضل الجهود المبذولة من طرف جمعية التجار، حيث إنها تمكنت في السنوات الأخيرة من ضبط المساحات الخاصة بأصحاب المحلات التجارية، ووضع ممرات وتغطية المتاجر بأغطية معدنية، ثم القيام ببعض الإصلاحات، حيث بدا وكأن السوق بدأ يعرف طريقه نحو التغيير على مستوى الظاهر، أما على مستوى الباطن، فما زال الحال على ما كان عليه. وقد علم نزلاء السوق بوجود مخطط جديد لإعادة هيكلة السوق وترميمه في إطار مخصص تأهيل المدينة العتيقة. لكن الشيء الذي يزعجهم، هو عدم الوضوح في خطاب المسؤولين ثم النقص في المعلومة فيما يخص الجوانب التي سيشملها الإصلاح، ثم المساحات الخاصة بكل تاجر، وكذلك تصميم البناية الذي يجب الحفاظ على طابعه التاريخي.. ثم الضمانات فيما يخص حق العودة والاستفادة وضمان حقوق كل شخص، وكذلك فتح باب الحوار والأخذ بآراء التجار والمهنيين.

المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
12-05-2020

ملاحظة أعد هذا التقرير بتاريخ 12 يوليوز 2014، ولم يقدر له أن ينشر آنذاك ..

Related posts

Leave a Comment